نعم رأيتها يوم السبت. رايت طيفها و شبحها و ظلها الخافت. شعرها القصير الاسود الغامق غطى اذانها وعين واحدة ووصل الى منتصف رقبتها الرفيعة. رفعت رأسها لتركز العين الظاهرة عليّ. بدا وجهها الحزين النحيل الشاحب المائل للاصفر فوق ملابسها السوداء كمصباح في غرفة مظلمة و كانما هي قادمة تواً من تعزية والدتها. نظرت اليّ مرة اخرى بصمت . لم استطع تمالك نفسي فقلت لها بعفوية و بصوت اختنق في داخلي: احبك و لكنها لم تسمعني و اختفت من حيث اتت

عندما نهضت من الفراش وغسلت نفسي في الحمام و نزلت الى الاسفل اصطدمت برؤية زوجتي في المطبخ: "عجيب ؟ كيف؟ انا متزوج ؟ كيف لا ادري؟ لماذا هذا التقلب المفاجئ في حياتي؟ اين ذاكرتي ؟ هل انا في حلم؟" اهدتني زوجتي عندما رأتني مباشرة ابتسامتها الحلوة و الحنونة و شدتني الى نفسها لتقبلني بقوة و كأنها مصاصة الدماء. شعرت بالم في شفتاي ولكنها اضافت بطريقتها العفوية التي دائما تهز قلبي عندما تفتح فمها لانها تقولها ببراءة اكثر من الملائكة: مالك يا عسل لماذا مرتبك و ترتجف؟ عملت لك عصير برتقال طازج وقهوتك الايطالية المفضلة؟ شعرت بخجل و ضميتها الى صدري لكي لا ترى وجهي الاصفر. كعادتها امرتني: ضمني بحزم يا حبيبي الى صدرك ... لا تتركني ابدا. لم اتمكن على الكلام و رأيت القلق في عيون زوجتي الحزينة: انت مريض؟ سألتني. "لا ابدا عندي فقط شوية صداع" قلت بتردد

فتحت زوجتي الشباك و حولت البيت الى ثلاجة لتجمد عظامي في الشتاء القارس و اضافت ببرودة طبيعية: انت في حاجة الى الهواء الطلق كم دقيقة بدل الاسبرين. بعد ذلك اختفت بضع دقائق و رجعت ببطانية من الصوف الايرلندي الثخين و غرقتني فيها و قالت: " انت لا تتعود على البرد هنا مهما طالت الفترة. تركتني في تصوفي فترة قصيرة لتحضر لي كأس من الماء في داخله الليمون والعسل – دواءها المفضل بالمناسبة لمحاربة البرد. استرجعت قواي و بدأت اساعدها في كتابة الشهادات المدرسية على الكومبيوتر

كان يوم الاحد يوما هادئا قضيناها في التحضير للاسبوع الجديد. استيقضت زوجتي يوم الاثنين في ساعة مبكرة لانها دائما تبدأ عملها في الصباح الباكر ولكني بقيت في الفراش صاحيا لحين سمعت صوت فتح وغلق الباب الخارجي و عندها عرفت بانها الان تركت البيت. نهضت و ذهبت الى الحمام لاغسل نفسي و احلق و بعدها نزلت الى الاسفل لتناول الفطور. فطوري عادة يتكون من قهوة اسبريسو مع كعكة يابسة باللوزاكلها و انا دخن الغليون. عندما دقت الساعة الحادية عشرة صباحا ادركت ان الوقت اتى لترك البيت

وصلت الى المدينة بعد نصف ساعة و لان الوقت كان مبكرا للعمل - ابدأ بالعمل عادة بعد الظهر و ارجع الى البيت بالليل – دخلت الى احد المخازن التجارية الكبيرة لاتخلص من البرد . كتبت الجرائد ان موجة برد قارسة ستهجم علينا غدا. انا من بين الذين يبردون بسرعة و احيانا ابرد حتى في الصيف اذا تدهورت الاحوال الجوية و هي تتدهور في كثير من الاحيان. تركت المحل بعد فترة لا بأس بها و عبرت الى الجانب الثاني. كعادتي عاودت النظر الى الجانب الاول بعد عبور الشارع و فجأة كدت افقد صوابي ...وقع نظري على طيفها. رأيتها تمشي وعينها الظاهرة تراقبني وهي في ملابسها السوداء . و قفت لحظة لاتاكد :هل هذا حلم ام حقيقة ؟ لماذا لا تتكلم؟و لكني خفت ان يفوتني الاوان

فركضت دون الانتباه الى السيارات الكثيرة في الشارع واني في الحقيقة لا اتذكر ما ذا حدث بالضبط بعد ذلك ماعدا رؤيتي لحشد من الناس تجمعت حولي و وجدت نفسي اقول لهم بهدوء: شكرا انا بخير

ولكنها منعتني من النهوض وتقدمت امرأة مني و وضعت رأسي بين يديها تطلب مني بحزم ان لا اتوقف على اتنفس الى ان جاءت سيارة لتنقلني وفجأة انقطعت الصورة لدي كجهاز تلفزيون انقطع عنه التيارالكهربائي

عندما فتحت عيناي رجعت الصورة و لكنها كانت مغيمة و كأنما كساها ضباب مكثف. قمت بمسح عيناي بقوة و لكن امرني صوت نسائي ان التزم الهدوء : سوف لا يرجع نظرك تماما بهذه السرعة يجب عليك الصبر. ظهر لي تدريجيا طيف وجه ابيض كصورة داخل اطار اسود ينزل من الاعلى حتى لمس شعره وجهي و نفسه فمي ثم بدأ الصوت : لمذا لم تنتبه الى السيارات يا حبيبي و انت تعرف هذا الشارع؟

اجبت دون تردد: كيف؟ هي تختفي بسرعة البرق ... فقدتها للمرة الثاية

تحبها الى درجة المجازفة بحياتك؟

لا ادري بالمجازفة و لكنها لها قابلية الذوبان كالشبح. لا اعلم لمذا تظهر و تختفي بهذه السرعة. هل هذا انصاف؟ تنفست بعمق عدة مرات ثم اجابت بتردد

كبف لا اختفي حبيبي الست متزوج للمرة الثانية؟ لماذا لم تنتظرني؟

...

نعم و لكن تحول الحب ... مع الاولى و اني لم اقدم على الطلاق بنفسي اطلاقا.

و لكن زوجتك الحالية طيبة تحبك كيف تريد ان تطلقتها وهي بأمس الحاجة اليك؟

لم افكر دقيقة في الطلاق. كيف اطلقها و هي بريئة اكثر من الملائكة؟ كنت اعتقد ان الملائكة لا تصاب بسرطان الثديسكتت لتتفس بعمق و هي تلامس بيديها الناعمتين شعري و تقااطيع وجهي لفترة الى ان لامستني بشفتيها الدافئتين لتغرقني في نوم عميق.

كانت زوجتي جالسة امام سريري عندما فتحت عيناي. تقدمت و طبعت قبلة الملائكة على شفتي و هي تقول: لا تقلق يا عسل سوف ترجع معي الى البيت بعد كم يوم