مقبرة حوار المتمدن


جمشيد ابراهيم
jd-ibrahim@hotmail.de
الحوار المتمدن - العدد: 3054 - 2010 / 7 / 5
المحور: كتابات ساخرة
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع     

عندما انظر الى صفحة الحوار المتمدن او كثير من الصفحات الاخرى على الانترنيت يتهيأ لي و كأنما ادخل مقبرة الشهداء. هناك صورة صغيرة تعود الى ايام الشهيد المناضل مع بعض الكلمات الحكيمة او قائمة بصفات الميت الحميدة مكتوبة على حجرة قبره او مرقده مع تأريخ الولادة و الموت: هنا يرقد في رحمة الله و رضوانه... وكلما زاد اهمية الميت كلما احتل صورته و قبره مكانا افضل و مساحة واسع اي لا توجد مساواة حتى في الموت. كنت سابقا ابحث في المقابر على امل ايجاد علاقة بين تأريخ الولادة و الموت رغم اني كنت افضل تجنب المقابر بصورة عامة اما من الخوف و وجود الاشباح فيها او احتراما للموتى. كتب الشاعر الانجليزي Thomas Gray في ابياته الرائعة:Elegy Written in a Country Churchyardكيف ان مقبرة زارها ربما كانت تضم في قبورها عباقرة دفن ذكاءهم و عبقريتهم معهم. فما عدا بعض المحظوظين مثل بيتهوفن و اينشتاين من الذين ذاع شهرتهم و صيتهم بقت الاكثرية مدفونة غير معروفة تشبه وردة عطرة جميلة تفوح راحتها العطرة في الصحراء او مثل لؤلؤة مدوفنة في قاع الابحار لا يراها احد.بعد قراءة شعر Thomas Gray فقدت خوفي من المقابر و بدأت ازورها بانتظام لعلي اكتشف وردة مجهولة او لؤلؤة نادرة مختبأة فيها. النظرة الاولى لهذه المقابر الاوربية الجميلة ترك عندي انطباع عميق و اعجاب كبير بسبب نظافتها و ترتيبها و كمية الورود الموجودة فيها و لكني كلما كثرت زياراتي لها زاد عندي الاشمئزاز عند رؤية هذه المقابر المنظمة و المرتبة هندسيا و التي توجد داخل اسوار و لها ابواب الدخول و حارس يحميها كالسجن و كنت ااخشى ان الحارس يطلب مني تكاليف الدخول.قال الحارس ان هذه المقابر تستاجر لمدة 30 سنة فقط لكي تترك المجال للقادمين الجدد لكثرة نفوس البشر و قلة الاراضي المتوفرة. لقد زاد رعبي عندما توجهت الى زهرة جميلة لاشتمها و اكتشفت انها تخدم فقط دكتاتورية العين و تنسى الانف و كأنما نحن بشر بدون حاسة الشم. فجأة رأيت نفسي انادي الزهرة الشرقية و نرجس جبال كردستان الوحشية التي تفوح رائحتها لمسافات طويلة. زاد حنيني في هذه اللحظة للمقابر الشرقية المهجورة و بدات العن الحضارة و التقدم و الهندسة. هذه المقابر المهملة لربما تضم في طينتها عباقرة وازهار لم يراها و يشمها احد.